كيفية استثمار الوقت من الكتاب والسنة حسن إدارة الوقت

نسمع هذه الأيام عن العديد من الدورات التي تهيئ الشباب، وغير الشباب، إلى استثمار أوقاتهم وإدارته بطريقة منظمة ومرتبة، ويظن هؤلاء المدربون على تنظيم الوقت أنهم الأسبق لهذا الفعل، رغم أن الإسلام اهتم بالوقت ونصح المسلمين بإدارته بشكل سليم، وكانت الشريعة الإسلامية الغراء الأسبق بتوجيه العديد من النصائح سواء من خلال الآيات الكريمة أو الأحاديث النبوية التي تشير لاستثمار الوقت بما ينفع المسلم في حياته الدنيا والآخرة.
ولقد أكد القرآن الكريم على أهمية الوقت بصيغ متعددة منها: "الدهر، الحين، اليوم، الأجل، الأمد، السرمد"، وغير ذلك من الكلمات الدالة على الوقت، كما جاءت آيات عديدة فيها القسم بالوقت، قال تعالى:( وَالْعَصْرِ إِنَّ الإنسَانَ لَفِي خُسْرٍ)"سورة العصر الآيتان1-2"، فالدهر والزمان في جملة أصول النعم، فلذلك أقسم الله به، ولأن الزمان والمكان هما أشرف المخلوقات عند الله، كان القسم بالعصر.
أما السنة النبوية المطهرة فأكدت على ما جاء به القرآن، وهو: أن الوقت من أعظم نعم الله على عباده، وأنهم مأمورون بحفظ الوقت ومسئولون عنه، فعن ابن عباس صلى الله عليه وسلم قال:"نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ"، ومعنى قوله كثير من الناس: أي أن الذي يوفق لهذا قليل من الناس، وتشير أحاديث أهل العلم أيضا على أن: الوقت وعاء العبادة، والزكاة والصيام والحج، جميعها عبادات محددة بأوقات معينة، لا يصح تأخيرها عنها، فهي مرتبطة إذا ارتباطا وثيقا بالوقت.
ولا بد وأن ندرك أن الوقت من أهم عناصر الإنتاج، ولذلك بين لنا الله سبحانه وتعالى في محكم آياته أنه هو الذي قدر الوقت، يقول سبحانه وتعالى:( وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ)"سورة المزمل الآية20".
وكما أن الله سبحانه وتعالى قدر الوقت، فقد أكد انجاز التكاليف فيه، وبذلك نظم الإسلام حياة المسلم ووقته، فقد نظم نومه واستيقاظه، وأداءه للشعائر، ونظم انطلاقه للحياة وميادينها.
ويتضح للقاصي والداني أن الإسلام والشريعة الإسلامية اهتمت بشكل عام بوقت المسلم بصفة عامة، وحثه على اغتنامه وعدم إضاعته، وأنه يسأل عنه يوم القيامة.
يقول النبي الكريم في حديثه الشريف:"لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع خصال: عن عمره فيما أفناه؟ وعن شبابه فيما أبلاه؟ وعن ماله من أين اكتسبه؟ وفيم أنفقه؟ وعن علمه ماذا عمل فيه؟"، وفي هذا الحديث الشريف نرى أن الإسلام اعتبر الوقت وحدة متكاملة لا تتجزأ فوقت المسلم أمانة في عنقه، ومطالب بعدم التفريط فيه أو إهداره.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم من أشد الناس حفاظا على الوقت، فكان لا يصرف وقتا في غير عمل الله تعالى، أو فيما لا بد منه لصلاح نفسه، يقول علي بن أبي طالب في وصفه للنبي صلى الله عليه وسلم:"كان إذا أوى إلى منزله جزأ دخوله ثلاثة أجزاء، جزء لله، وجزء لأهله، وجزءا لنفسه، ثم جزأ جزأه بينه وبين الناس"، كما كان عليه الصلاة والسلام حريصا على إعمار وقته بالعبادة والطاعة.
وقد وضع القرآن الكريم لها خطوط أساسية لإدارة الوقت وتنظيمه، ومن أهم العناصر التي وضعها الإسلام للاستفادة من الوقت:"تحديد الأهداف، إذ يقول المولى عز وجل:( أَفَمَن يَمْشِي مُكِبّاً عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّن يَمْشِي سَوِيّاً عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ)"سورة الملك الآية22"، ولا شك في أن من يمشي إلى هدف وغاية هو الذي يصل أسرع ممن يمشي بعشوائية، ومن الأهداف التي وضعها الإسلام للاستفادة من الوقت"تحديد الأولويات" أي ترتيب الأولويات حسب أهميتها، الأهم فالأهم، وهذا يعين على كسب الوقت، بإعطاء الأهداف ذات الأهمية الكبرى الأولوية في التنفيذ.
فحين أمر الله عز وجل النبي بالدعوة في قوله:( يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنذِرْ)"سورة المدثر الآيتان1-2"،فإن الله سبحانه وتعالى حدد للنبي الكريم أولوية دعوة المقربين من عشيرته بقوله:( وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقْرَبِينَ)"سورة الشعراء الآية214".
وحين أمر سبحانه المسلم بالحذر من النار واتخاذ سبل الوقاية منها أمره أن يبدأ بنفسه ثم أهله، وذلك في قوله:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ)"سورة التحريم الآية6"، ثم يأتي استثمار جميع الموارد المتاحة في الدرجة الثالثة من عوامل الاستفادة من الوقت.
ونهاية لا بد وأن نشير إلى أن عقيدة المسلم المستمدة من الشريعة الإسلامية سواء من القرآن الكريم والسنة المطهرة تحثه دوما على الاهتمام بالوقت والحرص على اغتنامه والحذر من إضاعته، ذلك أن الإسلام يقرر مسؤولية المسلم عن حفظ وقته، فالاهتمام بالوقت وإعمال العقل في استثماره والاستفادة منه مطلب مهم في حياة كل مسلم.

صحيفة الدعوة الاسلامية